22 أغسطس، 2015

وتصنف الحروف المقطعة على أساس المباني إلى:

 وتصنف الحروف المقطعة على أساس المباني إلى:
1- ذات الحرف الواحد: ص، ق، ن.
2- ذات الحرفين: طه، طس، يس، حم.
3- ذات الثلاثة أحرف: الم، الر، طسم.
4- ذات الأربعة أحرف: المص، المر.
5- ذات الخمسة أحرف: كهيعص، حم عسق.
 
      ومن الحروف المقطعة ما تكرر في فواتح السور، فجاء على النحو الآتي:
1- ما افتتحت به سورة واحدة: المص، المر، كهيعص، طه، طس، يس، ص، حم عسق، ق، ن.
2- ما افتتحت به سورتان: طسم.
3- ما افتتحت به خمس سور: الر.
4- ما افتتحت به ست سور: الم، حم.
 
      وتسمى السور المفتتحة بـ(طسم) و(طس): الطواسيم أو الطواسين، وتسمى السور المفتتحة بـ(حم): الحواميم. وقد أنشد أبو عبيدة:
 
وبالطواسيم التي قد ثُلِّثَتْ وبالحواميم التي قد سًبِّعَتْ
 
      ويسمى بعض السور بالميمات، وبعضها الآخر بالراآت.
 طريقة قراءة الحروف المقطعة:
      لا تُقرأ هذه الحروف كالأسماء مثل باقي الكلمات، بل تقرأ واحدة واحدة بصورة متقطعة، ومن أجل ذلك سميت بالحروف المقطعة.
      فننطق (الم) بهذه الكيفية: (ألفْ لامْ ميمْ)، وننطق (طسم) بهذه الكيفية: (طاءْ سينْ ميمْ)، وهكذا بالنسبة للبقية، مع ملاحظة تسكين الأواخر باستمرار.
 لماذا الحروف المقطعة؟
      لعل أهم مصداق يتجلى في تفسير هذه الحروف -التي اختص بها القرآن دون غيره من الكتب السماوية- هو مصداق الإعجاز بأبعاده المختلفة.
      إن أول أمرٍ يلفت نظر المتدبر فيها هو ما يلي هذه الحروف من عبارات، إذ نجد هذه العبارات -في الغالب- من قبيل: {ذَلِكَ الْكِتَابُ} ، أو {كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ} ، أو {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ} ، أو {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ} ، أو {تَنزِيلُ الْكِتَابِ} ، أو {وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} ، أو غيرها؛ مما يكشف عن وجود علاقة وطيدة بين هذه الحروف وآيات القرآن المبين.
      ويحتمل بقوة أن يكون الباري عز جل أراد من هذه الحروف تحدي العرب المعروفين ببلاغتهم وتفوقهم اللغوي، وكأنه يقول لهم: آيات هذا الكتاب أو التنزيل أو القرآن إنما جاءت بهذه الحروف التي بين أيديكم وفي لغتكم، فهل تقدرون على الإتيان بسورة واحدة منه؟
      فكثير ما أكد الله عز شأنه في العبارات التي تلي هذه الحروف مباشرة بأن هذا القرآن مبين: {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ} ، {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ} ، {تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ} ، {وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ} . كما أكد سبحانه في موضع آخر من القرآن على ارتباط (مبين) باللغة العربية، فقال تعالى: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ، عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ، بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء:193-195]، ثم قال: {وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الأَعْجَمِينَ، فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ} [الشعراء:198-199]، وكأن الكتاب كان مبيناً لأنه نزل بلغة العرب، وبالرغم من هذا فقد فشل المشركون منهم على الإتيان بمثل كلام الله سبحانه. 
      وقد أشرنا سلفاً إلى أن الله جل جلاله أطلق النصف للدلالة على الكل بذكره لنصف عدد الحروف الهجائية العربية، وهي شبيهة بأن تقدم لأحدهم لوحة فنية مطلية بعشرات الألوان المختلفة، ثم تقول له: mبالأحمر والأصفر والأزرق أنا صنعت هذه اللوحة الرائعة، فهل تستطيع عمل مثل ذلك؟n، في إشارة منك إلى أن هذه الثلاثة ألوان هي الألوان الرئيسة المكونة لباقي الألوان المختلفة -كما هو ثابت علمياً-، أو رغبة في الإشارة إلى أن من جنس هذه الألوان وأشباهها صنعت لوحتك.
      قال الإمام علي بن أبي طالب (ع): mكذب قريش واليهود بالقرآن وقالوا هذا سحر مبين تقوّله، فقال الله: {الم، ذَلِكَ الْكِتَابُ} أي يا محمد هذا الكتاب الذي أنزلته إليك هو الحروف المقطعة التي منها ألف ولام وميم، وهو بلغتكم وحروف هجائكم، فأتوا بمثله إن كنتم صادقين، واستعينوا بذلك بسائر شهدائكم[2] .
      وقال الإمام علي بن موسى الرضا (ع): mإن الله تبارك وتعالى أنزل هذا القرآن بهذه الحروف التي يتداولها جميع العرب، ثم قال: {قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء:88] [3] .
      ومما يزيد من إعجاز هذه الحروف وتحدي الباري جل شأنه للعرب؛ إنه ثبت أن هذه الحروف التي تفتتح بها سورة معينة، تكون هي الغالبة على باقي الحروف في الكلمات، ففي سورة (ق) -على سبيل المثال- نجد أن حرف القاف هو الأكثر إحصائياً بين سائر الحروف في الكلمات، كما السورة تطرق موضوعات مبنية على حرف القاف، مثل: (ذكر القرآن، ذكر الخلق، ذكر الرقيب، ذكر القتل، ذكر المتقين، ذكر تشقق الأرض، ذكر الرزق، ...الخ). كما يرى الزركشي mأن كل معاني السورة مناسب لما في حرف القاف من الشدة والجهر والقلقلة والانفتاح [4].
      ولا يخلو هذا الفهم المذكور لمعنى الحروف المقطعة من نقص في الدقة والإحكام، لأنه يبقى حائراً أمام جملة من التساؤلات المهمة، نحو:
      - لماذا لم يكن للقرآن ذكر بعد بعض الحروف مباشرة، في الوقت الذي كان له ذكر بعد أغلبها؟
      - لماذا لم يذكر النصف الآخر من الحروف الهجائية بدلاً من النصف الذي ذكره؟
      - لماذا لم تأتِ الحروف بغير هذا الترتيب والكيفية، فبدلاً من (حم) تكون (مح) أو أي حرفين آخرين، وكذلك بالنسبة لبقية الحروف؟
      - لماذا تكرر بعضها في فواتح السور وبعضها الآخر لم يتكرر؟
      - لماذا جاءت هذه الحروف فاتحة لسورة معينة دون غيرها من السور؟
      - لماذا عدت بعض الحروف آية مستقلة دون البعض الآخر؟
      ويبدو أن هذه التساؤلات بحاجة إلى مزيد من الوقفات والتأملات والتدبرات من قبل الباحثين والمختصين للوصول إلى إجابات مقنعة.
 حول استئثار الله بعلم الحروف المقطعة:
      يذهب فريق كبير من عظماء المفسرين وعلماء القرآن إلى أن هذه الحروف علماً استأثر الله به واختصه لذاته، أو أنها رموزاً وأسراراً خاصة بين الله جل جلاله وبين رسوله الأمين (ص).
      ولكن هذا الرأي يظل عاجزاً أمام ما يزخر به القرآن الكريم من آيات تدعو إلى ضرورة التدبر فيه دون استثناء. قال تعالى: {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد:24]، وقال: {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا} [النساء:82]، وقال: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} [ص:29].
      فلا يمكن أن تكون هناك آية نازلة في القرآن دون أن يكون لفهم الناس وتدبرهم سبيلاً إليها. ولا يستبعد أن يكون في القرآن بعض الأسرار والرموز بين الله عز وجل ونبيه الأكرم (ص)، ولكن ليس على مستوى يستوجب غموض الحرف والكلمة، بحيث يستحيل فك المعنى بالنسبة للمتدبر والمتأمل، وإنما الأسرار والرموز -إن وجدت- فقد تكون بين طيات الكلام ووراء معانيه أو ما شابه ذلك.
      ومما يعزز ذلك أنه لم يثبت عن العرب أبان العهد الإسلامي الأول ما يشير إلى عدم فهمهم لمعاني الحروف المقطعة، فلو كانوا يجهلون ذلك لظهر من هنا وهناك من يسأل عن أسرارها وحقيقتها، ولكان فيها فرصة وذريعة لليهود وغيرهم -من الذين يحرفون الكلم عن مواضعه- لإحاكة الفتن واختلاق الشبهات للطعن في القرآن بحجة طلسمية آياته بالنسبة لفهم الناس، فكيف يكون {هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران:138]؟
آراء أخــــرى : 
      في معنى الحروف المقطعة عدة آراء أخرى فيها نظر، ومنها:
      1- إنها جاءت لإثارة انتباه المشركين وجعلهم يستمعون إلى القرآن بإنصات وإصغاء. ويرد عليه بأن ذلك يستوجب إثارة الانتباه في كافة سور القرآن وليس بعضها، وكذلك في فواتح خطب وأحاديث الرسول الأعظم (ص). 
      2- إن جمع حساب كل حرف من هذه الحروف بعد حذف المكرر منها يُمَكِّن من معرفة مدة بقاء هذه الأمة واستخلاص أزمان الحوادث والفتن والملاحم، وذلك عن طريق حساب الجمل الأبجدية (أبجد هوز) بما يقابلها من أرقام، أو ما يعرف باسم حساب (أبي جاد).
      ويرد عليه بأن هذا تكلف من جهة القرآن، كما أنهم حسبوا مدة بقاء هذه الأمة بـ(693) عاماً، وقد تجاوزنا الآن ضعفها بكثير، وكيف يعلمون ذلك وقد خصَّ الله نفسه بأمور الغيب كهذه، فقال في خاتمة سورة لقمان: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [لقمان:34]. 
      3- إنها أسماء للسور التي افتتحت بها. ويرد عليه بأنها لو كانت أسماء للسور لاستوجب ذلك وجود مجموعة سور تحمل نفس الاسم، مما يعني وجود سورتين باسم (طسم)، وخمس سور باسم (الر)، وست سور باسم (الم)، وست سور أخرى باسم (حم)، وهذا مما لا يعقل.  
      4- إنها أسماء للقرآن. ويرد عليه بأنه لم يصلنا من الروايات ما يشير إلى أن الرسول الأكرم (ص) أو أحداً من أهل بيته (ع)؛ دعا إلى قراءة (الم) أو (حم) أو (طس) أو غيرها، وهو يقصد من ذلك الإشارة إلى القرآن بأكمله، بل على العكس تماماً، فإنه ترد أسماء كـ(حم السجدة) للدلالة على سورة معينة لا أكثر.
      5- إن كل حرف من هذه الحروف يشير إلى اسم من أسماء الله الحسنى. ويرد عليه بوجود الاختلاف الكبير في تعيين أسماء الله التي تشير إليها هذه الحروف، فقالوا -مثلاً- في (كهيعص): إن الكاف تدل على الكافي، والهاء على الهادي، والياء على الحكيم، والعين على العليم، والصاد على الصادق. بينما قال آخرون بأن: الكاف تدل على الملك، والهاء على الله، والياء والعين على العزيز، والصاد على المصور. وقال فريق ثالث بأنها تدل على: الكبير، الهادي، الأمين، العزيز، الصادق. وهناك من الأقوال المختلفة غيرها مما يخدش في خبرها ودقته.
      6- إنها حروف لو أحسن الناس تأليفها لعلموا اسم الله الأعظم. ويرد عليه بما ثبت من كون اسم الله الأعظم ليس اسماً لفظياً، وتفصيل ذلك في مبحث (أسماء الله الحسنى).
      7- إنها أقسام أقسم الله بها على أنها من أسمائه أو أنها من الحروف المعجمية التي تألف منها القرآن. ويرد عليه بأن هذه الأقسام -إن صحت- لا تستوفي تمام شروط القسم وأركانه من ذكرٍ لأداة القسم والقاسم والمقسوم به والمقسوم عليه والغاية من القسم، وأن يرد بعدها قسم في بعض الأحيان لا يدل على كون هذه الحروف قسماً بحد ذاتها.
 فائــــــــــدة: 
      يقول العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي ما نصه: mثم إنك إن تدبرت بعض التدبر في هذه السور التي تشترك في الحروف المفتتح بها مثل الميمات والراآت والطواسين والحواميم وجدت في السور المشتركة في الحروف من تشابه المضامين وتناسب السياقات ما ليس بينها وبين غيرها من السور.
      ويؤكد ذلك ما في مفتتح أغلبها من تقارب الألفاظ كما في مفتتح الحواميم من قوله: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنْ اللَّهِ} أو ما هو في معناه، وما في مفتتح الراآت من قوله: {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ} أو ما هو في معناه، ونظير ذلك واقع في مفتتح الطواسين، وما في مفتتح الميمات من نفي الريب عن الكتاب أو ما هو في معناه. 
      ويمكن أن يحدس من ذلك أن بين هذه الحروف المقطعة وبين مضامين السور المفتتحة بها ارتباطاً خاصاً، ويؤيد ذلك ما نجد أن سورة الأعراف المصدرة بالمص في مضمونها كأنها جامعة بين مضامين الميمات وص، وكذلك سورة الرعد المصدرة بالمر في مضمونها كأنها جامعة بين مضامين الميمات والراآت [5]
 تصانيف في الحروف المقطعة:
      من التصانيف التي ألفت في هذا الموضوع: (رسالة في أسرار الحروف التي في أوائل السور القرآنية) لابن سينا، (الحروف المقطعة في أوائل السور) لأبي سعيد الخادمي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] جار الله أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري. الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، ج1، ص139.
[2] السيد هاشم بن سليمان بن إسماعيل الحسيني البحراني. البرهان في تفسير القرآن، ج1، ص54.
[3] محمد باقر المجلسي. بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، ج2، ص319.
[4] بدر الدين محمد بن عبدالله الزركشي. البرهان في علوم القرآن، ج1، ص258.
[5] السيد محمد حسين الطباطبائي. الميزان في تفسير القرآن، ج18، ص8-9.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق